يقول الشمري حكي الوقاعة
 

www.youtube.com/watch?v=7yz_PBvOFmA


قبل حوالي "75" عاما قدم الشاعر منصور بن محمد العايش إبداعه في قصيد وصفية شاملة امتازت بالحنين والعشق وطلب الوصل والمناجاة، هذه الرائعة " يقول الشمري" صاغها لحنا وغناء الفنان فرج المبروك رحمه الله قبل حوالي "45" عاما لتكون موروثاً باقياً.

فرج المبروك من "حائل" بالتأكيد قرأ وأحس بالقصيدة ليبدع في تقديمها وتأخذ منحنى آخر لانتشار الأغنية الشعبية وتنطلق خارج الحدود على مستوى الهلال الخصيب!! "يقول الشمري" رائعة الشمال عاد لغنائها الفنان الشمالي من عرعر "هليل محمد" قبل حوالي "25" عاما وانتشرت كثيراً بعد تداولها مع الفنانة السورية "سعاد توفيق" ..الأغنية الشعبية الكلاسيكية كانت في مرحلتها السابقة أنشط وأكثر تداولاً عن غيرها من الأشكال الغنائية الأخرى وربما كانت الأوفر حظاَ والامكن في بنائها كقصائد غنائية حملت لغة الأرض أو الجمل اللحنية المتصلة في روحها وإحساسها.

يظن متذوقو الفن الشعبي أن هذا العمل هو من نتاج فترة الثمانينات الميلادية في القرن الماضي، خاصة بعد عودة الاغنية الشعبية في ذلك الوقت وانتشار معظم فنانيها ومتابعة الإعلام لهم؟! ربما هذا التوقع هو ماجعل أغنية "يقول الشمري" تتواصل منذ بداية القرن الماضي إلى هذا الوقت مع امتلاكها كافة المؤهلات والتي تجعلها قمة في روحها وعطائها الفني؟

يقول الشمري حكي الوقاعه

ويثبت حجته في شاهديني

ذبحني من عيونه سم ساعه

حَمَارَ الخَدِ مثل الوردتيني

الزمن الماضي كان يسمى الحبيب ب "الصاحب" نظراَ لقيمته في روح العاشق!! الشاعر يتحول من منادمته لصديقه إلى الحديث المباشر للحبيب عندما ذهب لقول "قطعت الوصل"، كثيراً ما يحدث ذلك في القصائد الشعبية لان بها حديث الصحبة والعشق والمنادمة، اعتقد أن الاتصال الروحي بين القصيدة والإيقاع والجمل اللحنية من مقام وزمن وإحساس الأداء، هو التواصل الحسي مع القيمة الأدبية وتحولها إلى قيمة غنائية جميلة.

ألا يا صاحبي وشذا القطاعه

قطعت الوصل عني ما تجيني؟

حشا لله ما اصبر عنك ساعه

أشوفك بين حجاني وعيني

في الجملة التالية كثيراً ما نقرأها ونسمعها مع العديد من الشعراء إلا أن استغلال الصيغة في الكلمات العامية "الشعبية" وتحويلها إلى أجراس موسيقية بهذه القدرة الرائدة والاستفادة من مكوناتها وتقديم الوصف بالكلمات المتداولة في تلك المنطقة بالذات جعل لها رونقاً خاص يحمل الاحترافية في الأداء والقيمة التراثية، الفكر والإحساس بقيمة الكلمات جعل من الفرج رحمه الله أن يعتمد التصور البيئي، ربما التقارب الجغرافي وخروجهم من أرض خصبة جعل من ذلك الإحساس يلتقي في هذا العمل "يقول الشمري":

وخده لأكشف يضوي شعاعه

كما البلور ساطع با لجبيني

عسى المولى يصونك بالمناعة

ويحجب عنك شر الحاسديني

هذا العمل تغنى به العديد من فناني الخليج والوطن العربي نظراً للقيمة الفنية والتراثية واستغلال التواصل حتى في خصوصية بعض الكلمات الدارجة لبعض الأقطار العربية كما في "البلور" بمعنى المرآة، أيضا الزمن الموسيقي والحروف اللحنية واستغلال الإيقاع المنتشر في غالب الأقطار العربية "العربي" ساعد بشكل عام على انتشارها وتفاعلها بمرور هذا الزمن الطويل حتى بعد تطور الأغنية في الوقت الراهن.

ترى قلبي رهين لك وداعه

عذاب اهل الهوى للعاشقيني

وماتحكم علي سمع وطاعه

ونحن عن خطاكم سامحيني

تتالت أحداث القصيدة في بنائها اللغوي الوصفي واستمرار الخاتمة التي يتجلى بها شعراء تلك الفترة مع بلوغ الأجراس تفاعلها الفني في بناء اللحن تحت كوبليه واحد متصل في بُنَيَتِهَا في ارض خصبة جعلت من هذا العمل ركناً من أركان الفن في منطقة الشمال؟!

هناك من الاعمال ما تسمى "السهل الممتنع" فلسفه غنائية بسيطة يصعب تقليدها؟!فرج المبروك عضو فاعل ومهم في التواصل الحسي لأكثر من "نصف قرن".

هيا بالوصل وشف انتفاعه

ولاتجعلني منك صفر اليديني

صلى الله على راعي الشفاعه

سيد الاولين والاخريني

وجود العمل بعد هذا العمر الطويل هو العلامة الفارقة للفن الكلاسيكي في الجزيرة العربية وهو ما يؤكده بلوغ العديد من فناني هذا الجيل بغنائها، "يقول الشمري"، ألمع من الذهب وبقائها عبر قرنين من الزمن دليل على بقاء الأغنية الشعبية وتربعها، رغم حداثة بعض الآلات الموسيقية والتصوير الغنائي؟!

هناك عمل رائع قدم منذ فترة طويلة ومازال قائماً بقيمته الثقافية والأدبية والفنية، فرج المبروك ومنصور العايش "رحمهم الله" نطقوا في بناء الأغنية الخالدة واستمر في تواصلها الفنان هليل محمد.

"يقول الشمري" الباقية في عناصر الإبداع اللغوي والفن الشعبي الشمالي.